maia
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


كل شىء جديد
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصة:رحيل في صمت

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 11/09/2011

قصة:رحيل في صمت  Empty
مُساهمةموضوع: قصة:رحيل في صمت    قصة:رحيل في صمت  I_icon_minitimeالخميس سبتمبر 22, 2011 7:07 am

رحيــل في صمـــــــــــــــــــــــــــــت




عاد عمر لتوه الى المنزل بعد يوم شاق و حزين ..كان قد شارك في جنازة مهيبة لرجل كافح العمر كله من أجل إسعاد دربه و وطنه ..

دخل غرفة مكتبته ..و بقايا دموع لازالت تشق طريقها على خديه ..هنا.. الليل يزيد المكان وحشة وحزنا..بعد أن أضاء المكان اتجه نحو مكتبه ..أخذ يراعا و ورقة بيضاء ..

فجلس يكتب وجعه رسالة لصاحبه...فخط الرسالة التالية :
أيها العزيز..


أكتب هذا الخطاب و قلبي مفعم بالأحزان..لأنك رحلت في صمت ملفوف بغبش هذا الزمن الموحش..رحلت كما المحارب في أدغال الثغور مفتشا عن حقيقية أزلية..و كان رحيلك رهيبا ..

و طيفك شامخا في كل الدروب...
أكتب و أنا أعرف أني أطارد سراب أحزاني الأبدية ! ..و أن هذا هو آخر خطاب موشوم بذكراك و ذكرى رحيلك المفاجىء..كان عليك أن تتمهل و لا تتعجل..
و ماذا لو انتظرت قليلا حتى أبوح لك بأسرار هزائمنا و أسمعك الكلام الصعب الآتي من خريف العمر..هاجرت في اتجاه مدن مدفونة في غياهب الممرات الرهيبة ..
و سلمت أنفاسك لسديم المغارات البعيدة ..و تركت وراءك أسرتين و جحيما لا يطاق! ..لا أدري هل أثقلتك هموم وطنك أم أذهلتك خيانة الدرب؟..أم أعياك الوقوف ها هنا خلف سرادق الأيام ..
فحملت أوزارنا و رحلت..خبرني و أنت راقد رقدتك الأخيرة هل زمن اللقاء ولى؟..و سرت ذكرى موشومة في عيون الأبرياء و ذاكرة العقلاء..
ها هنا جالس أستعيد ما تعلق بخاطري من صورتك ..فتشتعل نيران الفراق..و تسري قشعريرة في جسدي معلنة بداية الإنهزام و لألأة دمعة يتيمة و هي تداعب الجفون الملتهبة بنار الذكرى ..
ذكرى رجل ظل ينحت وجه الخشب الأسود بطبشوره الأبيض..و في خاتمة القهر و النسيان كان يطارد رموز الحرف ليصنع أجيال هذا الوطن..
ثم ماذا بوسعي أن أقول و قد رحلت ملفوفا بقطعة بيضاء و في صمت مأخوذ من المحن..ماذا بوسعي أن أقول في هذا الخلاء ،و على امتداد المسافة التي تفصلنا ..
أقف الآن مندهشا و أنت راقد رقدتك الطويلة ! ..الطويلة.
لا أدري هل على امتداد هذه المسافة هناك متسع لكلماتي؟ ! ..أم بيني و بينك الغبار..
و أنت مسافر الى منفاك الأبدي،كانت الحروف تتشابك بذاكرتي..لتتناثر من أعماقي أشلاء مدينة الكلام..لها باب من فلاذ و لغة من رخام..فوقفت منحنيا أحيي روحك الطاهرة من هذا المقام..
و أزف لك مأساة العصافير و حزن هذا الوطن،على طبق مصنوع من بقايا أناس ختمت معهم جلستك الأخيرة..هذه همومي و هذا عالم يحملني على قارعة الطريق..فأرى الربيع خريفا و أيام اعدادية الذهب جفافا..
و كهف تربيتنا لا يزال بلا لون و لا عنوان..فبدت لي الأيام منسدلة الجفون..و لبس رفاق الدرب ثوب الحداد..و أنت تتوارى تحت التراب كما النجمة الهاربة في السماء مخلفة وراءها خيط نور..
حائر طفل مدينتي و هو يراك تشد الرحال الى عوالم الموت السحيق..و أطفالك ترقب عودتك ككل مساء..لكني أنا المسكون بفجيعة اليتامى و حكاية قهر البسطاء ،سأرسم من غيابك صورة لدرب شقي و أخرى لفراق موغل في الأبد!! ..
قد لا ينس الدرب و لا المدينة أنك انضممت الى قافلة رجال التعليم ،لتعلم و تربي..استنشقت غبار الطباشير حتى انتفخ صدرك..و كثيرا ما أطلت الشرح حتى جف حلقك .. و ربيت أجيال وطنك ..
ثم رحلت و في خاطرك شيء لم تبح به.. لست أدري ألا زلت تذكر يوم تعالت زغاريد نساء القبيلة مهللة بقدومك الى هنا.. و يوم عانقتك أمك ،لأنك صرت رقما من أرقام سد الرمق ..
فبنيت و بمعيتنا أوهام الوظيفة و البحر و صحراء قزح و صور قطيع من الخرفان و هي تمرح كل مساء على مروج بلاستيكية ،و تحرسها صعاليك المدينة .. هاهي ذي أخبارك تتحول الى احتراق هذا الجسد ..
فتقول لصاحبك ابحث لنا عن بقايا أمان و تأمين ! ..هنا لك حيث تغسل الشمس البحر لتحيله الى رذاذ عمر تواق للخلود كان حديثك شيقا كصمت السنين الغابرة ..
أذكر أنك جلست ذات مساء و أنت تتأمل عيون أطفالك و هي تنزف حزنا .. فهزتك رعشة و مضت .. و بقيت فاغرا فاك .. و دخلت في صراع مع أنفاسك ..
في تلك الشوارع الموغلة انفجرت كلماتك و فاضت دموعك و سحبت نظرتك الأخيرة قائلا: أطفالي ،فلذات كبدي هم أبناء هذا الوطن ، و للوطن أن يحملهم في قلبه أو يحتضنهم تحت جناحيه ..
بيد لا أدري هل سلمت عصافيرك لمنفى المغارات البهيمية و اليتم .. و تركتها ترقب عودتك و لقاءك ، و هي تطرق أبواب دهاليز العتمة .. و تجتر ركام عذاباتها وراء السنين القادمة و في عينيها وصاياك الأخيرة ..
آه يا رجل!! ..ألازلت تذكر يوم التقينا في الدرب الطويل؟..و كان الحديث و الكلام و و الوعود و اللحظات الهاربة و الزواج و الحياة و الأطفال. و . و خدمة الوطن .. ثم ماذا بعد هذا كله؟ الرحيل في صمت يتيم و في يوم من أيام الخريف و الجفاف .. و كأن الدهر شاهد على كل هذه المحطات :..محطة لعمر شقي .. و أخرى لانتظارنا الطويل .. و ثالثة للزيف و الخداع ..و رابعة لرحيلك المفاجيء ...
..........
أعاد عمر قراءة الرسالة ..و بعد أن طواها أودعها دفتر الرسائل آملا أن تشكل خطابا لمشاركته في حضور ذكرى رحيل الفقيد..بكى بحرارة هذا الفراق ..
لازالت الدموع تداعب خديه ،فوقف عن كرسيه واتجه صوب سريره ..استلقى عليه ..كان متعبا،عندما أسلم نفسه لقبضة نوم عميق...

اتمنى تعجبكم القصة وانا استنى الردود
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bata.ahlamontada.net
 
قصة:رحيل في صمت
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
maia :: قسم القصص والروايات-
انتقل الى: